كارثة تشيرنوبيل لن تتكرر لكن يمكن توقع حدوث انفجار بحجم كارثة فوكوشيما
بات العالم يقترب من كوارث مصيرية بسرعة التزلج على الجليد.. فهل تلوح كارثة "تشيرنوبيل"من جديد في السماء الأوروبية؟... هذا ما يشرحه الخبير النووي وعالم الأرصاد الألماني فولفجانج راسكوب - رئيس مجموعة العمل المعنية بآثار الحوادث في معهد التكنولوجيا النووية والطاقة في معهد كارلسروه للتكنولوجيا- مستعرضاً عواقب الكوارث النوويةوالقلق الدولي المتنامي من خرق معايير السلامة النووية فى ضوء استقراء مدى خطورة الوضع في محطة زابوريجيا الواقعة جنوب أوكرانيا - أكبر محطة نووية فى أوروبا- وما يمكن أن يُحدثِه سيناريو قصفها فى القارة العجوز، خاصة وأن قصف المحطات النووية محظور بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949، فيما يحذر كل من مجلس الأمن الدولي ووكالة الطاقة الذرية من إمكانية وقوع كارثة نووية تضع كلمة النهاية على الوجود الأوروبي إذا لم تلتزم جميع الأطراف بمعايير الحماية اللازمة.
* كنت على اتصال وثيق بالخبراء النوويين في أوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية فى فبراير مطلع هذا العام. كيف كان شعورك عندما تلقيت التقارير القادمة من محطة زابوريجيا النووية التى تعرضت لقصف قريب من نطاقها؟ وماذا يمكن أن يحدث في أسوأ السيناريوهات لو تعرضت المحطة للقصف المباشر؟
- لم أرغب في تصديق ذلك في البداية. فمثل هذا القصف يعني خطرًا هائلاً - لجميع المعنيين. أنا لا أفهم لماذا نغامر بهذا الشكل الفج. لقد حذرت وكالة الطاقة الذرية من خطورة الأمر وضرورة استبعاد المحطات النووية من ساحة القصف بين الجانبين الروسي والأوكراني. كذلك يتمثل الخطر الأكبر في انقطاع التيار الكهربائي في المحطة، ما يعني أنه لم يعد من الممكن تبريد قلب المفاعل- وستكون المرحلة التالية لارتفاع درجة حرارة المفاعل أن يحدث انصهار كلي.لا يزال اثنان فقط من المفاعلات الستة في زابوريجيا قيد التشغيل، بينما تم إغلاق الأربعة الأخرين. وطالما أن المفاعل لا يزال يعمل هناك، يمكن للمحطة إنتاج ما يكفي من الكهرباء للتبريد، وهناك أيضًا مولدات للطوارئ. وفي حال كان هناك ضرورة مُلحة لإغلاق جميع المفاعلات، فستحتاج المحطة إلى مصدر طاقة خارجي للحصول على التبريد الكافي. إذا حدث ذلك، ربما عن غير قصد، أقصد اصطدام خط النقل وانهيار مصدر الطاقة الخارجي، فلن يمكن تبريد عناصر الوقود. وهذه الفرضية ما تثير قلقي للغاية.
* فى حالة حدوث ذلك، هل سيكون الأمر مشابهاً لكارثة تشيرنوبيل النووية، التي لاتزال تداعياتها الإشعاعية قابلة للقياس، حتى في ألمانيا؟ لقد عقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه المقارنة مؤخرًا، فما مدى واقعيتها ؟
- ليس لهذه الدرجة. يمكنني القول أن كارثة تشيرنوبيل بمثابة حالة خاصة ، نظراً لأنواع مفاعلاتها المتقادمة وتراجع معايير الحماية للمفاعلات المستخدمة آنذاك داخل المحطة. أما بالنسبة للوضع في محطة زابوريجيا، فيبدو أكثر ملاءمة. ففي أسوأ السيناريوهات، يمكن توقع حدوث انفجار بحجم كارثة فوكوشيما، حيث تسربت هناك ما يقارب عُشر الانبعاثات التى تسربت من مفاعل تشيرنوبيل .وهذا أمر سيء بما فيه الكفاية، لكنه أقل ضرراً بكثير مما حدث في انفجار تشيرنوبل. بالكاد سنشعر بتبعات ذلك ألمانيا.
* هل هناك خطر أيضًا من فشل أنظمة عمل المحطة، أو كونها تعمل بشكل غير صحيح بعد إضرام النيران في أحد مبانيها؟ حدثنا أيضاً عن كيفية عمل نظام التشغيل الجديد الذى قمت بتطويره بنفسك مع شركاء أوروبيين كي يتلافى عواقب الحوادث النووية، والذي هو بالفعل قيد التشغيل في أوكرانيا..
- على الأرجح لا. لا يزال فريق التشغيل الأوكراني في الموقع. كما أن المحطة تحت المراقبة الروسية ومنفصلة عن العالم الخارجي، لكنني أفترض أنها لا تزال تؤدي وظيفتها بشكل جيد. المحطة مكونة من ستة وحدات، وبعد تعرضها للقصف الجزئي، توقفت الوحدة الأولى عن العمل، فيما تم فصل الوحدتين الثانية والثالثة عن شبكة التشغيل العامة للمحطة، بينما تعمل الوحدة الرابعة بقدرة 690 ميجاوات، كما يجري تبريد الوحدتين الخامسة والسادسة.. هناك أيضاً ملاحظة هامة، إذ تعمل المفاعلات الروسية هناك، ما يعني أن الروس يمكنهم تدريجيًا تثبيت طاقمهم الخاص فى المنطقة، ما يشكل بدوره نوع من الحماية التقنية للمنشأة. وعن نظام التشغيل الجديد الذى عكفنا على تصميمه، فهو يحاكي، إلى حد ما، برنامج Rodos(1). فإذا ما كان لدينا حالة طوارئ، يقوم البرنامج بحساب كمية المواد المشعة التي تتسرب حال وقوع حادث وكيفية توزيعها. نقوم بدمج البيانات التي لدينا في محطة للطاقة النووية مع معلومات الأرصاد الجوية الحالية بالإضافة إلى شبكة عالمية لقياس معدل التسريب. هذا يسمح لنا بحساب حجم الانتشار والتعرض للجرعة الناتجة. في الوقت نفسه، يحلل البرنامج مختلف التدابير الوقائية والمضادة وبالتالي يدعم صانعي القرار الذين يتعرضون لضغوط كبيرة في حالات الطوارئ. وفي أوكرانيا، يوفر البرنامج حاليًا عمليات محاكاة عالية الكفاءة يجري تحديثها كل ساعة.
* ما هي عواقب الانهيار الكلي في محطة زابوريجيا؟ وهل سيؤثر ذلك على روسيا؟ وما هو الوضع بالنسبة لألمانيا؟
- تعتمد النتائج على الأحوال الجوية وقت وقوع الحدث والطريقة التي تهب بها الرياح. في زابوريجيا، تهب الرياح بشكل رئيسي نحو الجنوب أو الشرق. بالطبع سيطول ذلك روسيا أو تركيا. وإذا هبت الرياح نحو الغرب، فالمحطة تبعد عن ألمانيا بما يزيد عن 1500 كيلومتر. أى، بالكاد سنتأثر ولن نضطر إلى اتخاذ أي تدابير وقائية عاجلة.
* كيف سيكون الوضع في أوكرانيا نفسها؟ وما مدى هشاشة محطة الطاقة إذا تم استهداف أحد مفاعلاتها بنظام صاروخي عن بعد؟
- قد تكون العواقب وخيمة. سيكون من الضروري إخلاء المنطقة من السكان داخل دائرة نصف قطرها حوالي 10 إلى 100 كيلومتر حول محطة الطاقة؛ فلا يزال من الممكن قياس الجرعات العالية من الإشعاع على بعد عدة مئات من الكيلومترات، لذلك يجب مناشدة الأفراد بالبقاء في منازلهم. لكنه من الأمور الجيدة كون هذه المفاعلات جديدة وتتمتع بطبقة خارجية خرسانية سميكة محاطة بالفولاذ. في ألمانيا، تم حساب قدرة تحمل هذه المفاعلات بحيث يتعين عليها تحمل تحطم طائرة حربية من طراز "ستارفايتر"، إلا أنها طائرات خفيفة نوعًا ما. لذلك من الصعب تحديد ما قد يحدث عندما تتعرض المفاعلات للاستهداف بأنظمة صاروخية. مع الأسف ما نشهده الأن أحد المشاهد الصارخة لخرق الاتفاقيات الدولية. من الواضح للعيان أن هذا القصف يتعارض مع كل الاتفاقيات الدولية. ويتوجب استبعاد محطات الطاقة النووية من الأعمال العدائية والقصف لأنها ستدمر الجميع حال انفجارها. حقيقة أن سبل الحماية في حالات الطوارئ النووية، التي تم الاتفاق عليها في وقت السلم، لم تعد سارية فجأة –أمر لم يتوقعه أحد، ويثير جزعي.
--------------------------------------------
أجرى الحوار: أولريش شنابل - ترجمة: شيرين ماهر
هوامش: (1) نظام رودوس: وهو "نظام تشغيل في الوقت الفعلي للأنظمة المدمجة"، وجرى تصميمه للتطبيقات التى تتطلب موثوقية عالية ويستخدم بالأخص في برامج الأقمار الصناعية والفضاء.
رابط الموضوع بالألمانية
من المشهد الأسبوعية